فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعترض ما قاله الفراء: بأن التقديس إنما هو من الطهارة، وليس من ذا في شيء.
قال العلماء: هذه اللفظة لا تستعمل إلاّ لله سبحانه، ولا تستعمل إلاّ بلفظ الماضي، والفرقان القرآن، وسمي فرقانًا: لأنه يفرق بين الحقّ والباطل بأحكامه، أو بين المحق والمبطل، والمراد بعبده: نبينا صلى الله عليه وسلم.
ثم علل التنزيل: {لِيَكُونَ للعالمين نَذِيرًا} فإن النذارة هي الغرض المقصود من الإنزال، والمراد محمد صلى الله عليه وسلم، أو الفرقان، والمراد بالعالمين هنا الإنس والجنّ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إليهما، ولم يكن غيره من الأنبياء مرسلًا إلى الثقلين، والنذير: المنذر أي: ليكون محمد صلى الله عليه وسلم منذرًا، أو ليكون إنزال القرآن منذرًا، ويجوز أن يكون النذير هنا بمعنى المصدر للمبالغة أي: ليكون إنزاله إنذارًا، أو ليكون محمد إنذارًا، وجعل الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم أولى، لأن صدور الإنذار منه حقيقة، ومن القرآن مجاز، والحمل على الحقيقة أولى، ولكونه أقرب مذكور.
وقيل: إن رجوع الضمير إلى الفرقان أولى لقوله تعالى: {إِنَّ هذا القرءان يِهْدِى لِلَّتِى هي أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، ثم إنه سبحانه وصف نفسه بصفات أربع: الأولى {لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} دون غيره، فهو المتصرف فيهما، ويحتمل: أن يكون الموصول الآخر بدلًا، أو بيانًا للموصول الأوّل، والوصف أولى، وفيه تنبيه على افتقار الكلّ إليه في الوجود، وتوابعه من البقاء، وغيره، والصفة الثانية {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}، وفيه ردّ على النصارى، واليهود.
والصفة الثالثة: {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك}، وفيه ردّ على طوائف المشركين من الوثنية، والثنوية، وأهل الشرك الخفيّ.
والصفة الرابعة: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء} من الموجودات {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} أي: قدّر كل شيء مما خلق بحكمته على ما أراد، وهيأه لما يصلح له.
قال الواحدي: قال المفسرون: قدر له تقديرًا من الأجل والرزق، فجرت المقادير على ما خلق.
وقيل: أريد بالخلق هنا مجرّد الإحداث، والإيجاد مجازًا من غير ملاحظة معنى التقدير، وإن لم يخل عنه في نفس الأمر، فيكون المعنى: أوجد كل شيء فقدّره لئلا يلزم التكرار.
ثم صرّح سبحانه بتزييف مذاهب عبدة الأوثان، فقال: {واتخذوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً}، والضمير في {اتخذوا} للمشركين، وإن لم يتقدّم لهم ذكر، لدلالة نفي الشريك عليهم أي: اتخذ المشركون لأنفسهم متجاوزين الله آلهة {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا}، والجملة في محل نصب صفة لآلهة أي: لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء، وغلب العقلاء على غيرهم، لأن في معبودات الكفار الملائكة، وعزير والمسيح {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أي: يخلقهم الله سبحانه.
وقيل: عبر عن الآلهة بضمير العقلاء جريًا على اعتقاد الكفار أنها تضرّ وتنفع.
وقيل: معنى {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أن عبدتهم يصوّرونهم.
ثم لما وصف سبحانه نفسه بالقدرة الباهرة وصف آلهة المشركين بالعجز البالغ، فقال: {وَلاَ يَمْلِكُونَ لأِنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا} أي: لا يقدرون على أن يجلبوا لأنفسهم نفعًا، ولا يدفعوا عنها ضررًا، وقدّم ذكر الضرّ، لأن دفعه أهمّ من جلب النفع، وإذا كانوا بحيث لا يقدرون على الدفع والنفع فيما يتعلق بأنفسهم، فكيف يملكون ذلك لمن يعبدهم؟ ثم زاد في بيان عجزهم، فنصص على هذه الأمور، فقال: {وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا} أي: لا يقدرون على إماتة الأحياء، ولا إحياء الموتى، ولا بعثهم من القبور، لأن النشور الإحياء بعد الموت، يقال: أنشر الله الموتى، فنشروا، ومنه قول الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجبًا للميت الناشر

ولما فرغ من بيان التوحيد، وتزييف مذاهب المشركين شرع في ذكر شبه منكري النبوّة، فالشبهة الأولى ما حكاه عنهم بقوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ} أي: كذب {افتراه} أي: اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم، والإشارة بقوله: {هذا} إلى القرآن {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ} أي: على الاختلاق {قَوْمٌ ءاخَرُونَ} يعنون من اليهود.
قيل: وهم أبو فكيهة يسار مولى الحضرمي، وعداس مولى حويطب بن عبد العزى، وجبر مولى ابن عامر، وكان هؤلاء الثلاثة من اليهود، وقد مرّ الكلام على مثل هذا في النحل.
ثم ردّ الله سبحانه عليهم، فقال: {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} أي: فقد قالوا ظلمًا هائلًا عظيمًا، وكذبًا ظاهرًا، وانتصاب {ظلمًا}، {جاءُوا}، فإن جاء قد يستعمل استعمال أتى، ويعدّى تعديته.
وقال الزجاج: إنه منصوب بنزع الخافض، والأصل جاءُوا بظلم.
وقيل: هو منتصب على الحال، وإنما كان ذلك منهم ظلمًا، لأنهم نسبوا القبيح إلى من هو مبرأ منه، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه، وهذا هو الظلم، وأما كون ذلك منهم زورًا، فظاهر لأنهم قد كذبوا في هذه المقالة.
ثم ذكر الشبهة الثانية، فقال: {وَقَالُواْ أساطير الأولين} أي: أحاديث الأوّلين، وما سطروه من الأخبار، قال الزجاج: واحد الأساطير أسطورة مثل أحاديث وأحدوثة، وقال غيره: أساطير جمع أسطار مثل أقاويل وأقوال {اكتتبها} أي: استكتبها، أو كتبها لنفسه، ومحل اكتتبها النصب على أنه حال من أساطير، أو محله الرفع على أنه خبر ثانٍ، لأن أساطير مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذه أساطير الأوّلين اكتتبها، ويجوز أن يكون أساطير مبتدأ، واكتتبها خبره، ويجوز أن يكون معنى اكتتبها جمعها من الكتب، وهو: الجمع، لا من الكتابة بالقلم، والأوّل أولى.
وقرأ طلحة {اكتتبها} مبنيًا للمفعول، والمعنى: اكتتبها له كاتب، لأنه كان أميًا لا يكتب، ثم حذفت اللام، فأفضى الفعل إلى الضمير، فصار اكتتبها إياه، ثم بنى الفعل للضمير الذي هو إياه، فانقلب مرفوعًا مستترًا بعد أن كان منصوبًا بارزًا، كذا قال في الكشاف، واعترضه أبو حيان {فَهِيَ تملى عَلَيْهِ} أي: تلقى عليه تلك الأساطير بعد ما اكتتبها، ليحفظها من أفواه من يمليها عليه من ذلك المكتتب لكونه أميًا لا يقدر على أن يقرأها من ذلك المكتوب بنفسه، ويجوز: أن يكون المعنى، اكتتبها: أراد اكتتابها {فَهِيَ تملى عَلَيْهِ} لأنه يقال: أمليت عليه، فهو يكتب {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} غدوة وعشيًا: كأنهم قالوا: إن هؤلاء يعلمون محمدًا طرفي النهار، وقيل: معنى بكرة وأصيلًا: دائمًا في جميع الأوقات.
فأجاب سبحانه عن هذه الشبهة بقوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السموات والأرض} أي: ليس ذلك مما يفترى ويفتعل بإعانة قوم، وكتابة آخرين من الأحاديث الملفقة، وأخبار الأوّلين، بل هو أمر سماويّ أنزله الذي يعلم كلّ شيء لا يغيب عنه شيء من الأشياء، فلهذا عجزتم عن معارضته، ولم تأتوا بسورة منه، وخصّ السرّ للإشارة إلى انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة لا تبلغ إليها عقول البشر، والسرّ: الغيب أي: يعلم الغيب الكائن فيهما، وجملة: {إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} تعليل لتأخير العقوبة أي: إنكم وإن كنتم مستحقين لتعجيل العقوبة بما تفعلونه من الكذب على رسوله، والظلم له، فإنه لا يعجل عليكم بذلك، لأنه كثير المغفرة والرحمة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس: {تبارك} تفاعل من البركة.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} قال: يهود {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} قال: كذبًا.
وأخرج عبد ابن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ} هو: القرآن فيه حلاله وحرامه وشرائعه ودينه، وفرّق الله بين الحق، والباطل {لِيَكُونَ للعالمين نَذِيرًا} قال: بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم نذيرًا من الله، لينذر الناس بأس الله، ووقائعه بمن خلا قبلكم {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} قال: بين لكل شيء من خلقه صلاحه، وجعل ذلك بقدر معلوم {واتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} قال: هي الأوثان التي تعبد من دون الله {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وهو الله الخالق الرازق، وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئًا، ولا تضرّ ولا تنفع، ولا تملك موتًا ولا حياة ولا نشورًا يعني: بعثًا {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} هذا قول مشركي العرب {إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ} هو الكذب {افتراه وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ} أي: على حديثه هذا، وأمره {أساطير الأولين} كذب الأوّلين، وأحاديثهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {افتراه} الهاءُ تعودُ على إفك. وقال أبو البقاء: الهاء تعود على {عَبْدِه} في أول السورة ولا أظنَّه إلاَّ غَلَطًا، وكأنه أراد أَنْ يقولَ: الضمير المرفوع في افتراه فَغَلِط.
قوله: {ظُلْمًا} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه مفعولٌ به؛ لأنَّ جاء يتعدى بنفسِه وكذلك أتى. والثاني: أنه على إسقاطِ الخافضِ أي: جاؤوا بظلمٍ. الثالث: أنه في موضعِ الحال، فيجيءُ فيه ما في قولك جاء زيدٌ عَدْلًا من الأوجه.
قوله: {اكتتبها} يجوز فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحُدها: أَنْ يكونَ حالًا من أساطيرُ، والعاملُ فيها معنى التنبيه، أو الإِشارةِ المقدرةِ؛ فإنَّ {أساطيرُ} خبرُ مبتدأ محذوفٍ، تقديرُه: هذه أساطيرُ الأَوَّلِين مُكْتَتَبَةً. والثاني: أن يكونَ في موضع خبرٍ ثانٍ ل {هذه}. والثالث: أَنْ يكونَ {أساطيرُ} مبتدًا و{اكْتَتَبها} خبرُه، واكْتَتَبها: الافتعالُ هنا يجوز أَنْ يكونَ بمعنى أَمَر بكتابتها كاقتصد واحتَجم، إذا أَمَر بذلك، ويجوز أَنْ يكونَ بمعنى كَتَبَها، وهو مِنْ جملةِ افترائِهم عليه لأنه [عليه السلام] كان أمِّيًَّا لا يَقْرأ ولا يَكْتب، ويكون كقولهم: اسْتَكَبَّه واصْطَبَّه أي: سكبه وصبَّه. والافتعالُ مُشْعِرٌ بالتكلُّفِ. ويجوز أَنْ يكونَ مِنْ كَتَبَ بمعنى جَمَعَ، من الكَتْبِ وهو الجَمْعُ، لا من الكتابة بالقلَم.
وقرأ طلحةُ {اكْتُتِبَها} مبنيًا للمفعولِ. قال الزمخشري: والمعنى اكتتبها له كاتِبٌ لأنه كان أمِّيًَّا لا يكتُب بيدِه، ثم حُذِفَتِ اللامُ فأفضى الفعلُ إلى الضمير فصار: اكتتبها إياه كاتبٌ. كقولِه: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] ثم بُني الفعلُ للضمير الذي هو إياه فانقلب مرفوعًا مستترًا بعد أن كان منصوبًا بارزًا، وبقي ضمير الأساطير على حالِه فصارَ {اكْتُتِبَها} كما ترى.
قال الشيخ: ولا يَصِحُّ ذلك على مذهبِ جمهورِ البصريين؛ لأنَّ اكتتبها له كاتب وَصَل الفعلُ فيه لمفعولين أحدُهما مُسَرَّح، وهو ضميرُ الأساطير، والآخرُ مقيدٌ، وهو ضميرُه عليه السلام، ثم اتُّسِع في الفعلِ فحُذِفَ حرفُ الجر، فصار: اكتتبها إياه كاتبٌ. فإذا بُني هذا للمفعولِ: إنما ينوبُ عن الفاعلِ المفعولُ المُسَرَّحُ لفظًا وتقديرًا لا المسرَّحُ لفظًا، المقيَّدُ تقديرًا. فعلى هذا يكون التركيب اكْتُتِبَه لا اكتتبها، وعلى هذا الذي قُلْناه جاء السماعُ. قال: الفرزدق:
ومِنَّا الذي اختير الرجالَ سماحةً ** وجودًا إذا هَبَّ الرياحُ الزَّعازِعُ

ولو جاء على ما قَرَّره الزمخشريُّ لجاء التركيبُ: ومنا الذي اختيره الرجالُ لأنَّ اخْتير تَعدَّى إلى الرجال بإسقاطِ حرفِ الجرِّ؛ إذ تقديرُه: اختير من الرِّجال. قلت: وهو اعتراضٌ حَسَنٌ بالنسبة إلى مذهبِ الجمهورِ، ولكن الزمخشريَّ قد لا يلْتزمه، ويوافق الأخفشَ والكوفيين، وإذا كان الأخفشُ وهم، يتركون المَسرَّحَ لفظًا وتقديرًا، ويُقيمون المجرورَ بالحرفِ مع وجودِه فهذا أَوْلَى وأحرى.
والظاهر أنَّ الجملةَ مِنْ قوله: {اكتتبها فَهِيَ تملى} مِنْ تَتِمَّةِ قولِ الكفارِ. وعن الحسن أنَّها من كلامِ الباري تعالى، وكان حَقُّ الكلام على هذا أَنْ يَقْرَأَ أَكْتَتَبها بهمزةٍ مقطوعةٍ مفتوحةٍ للاستفهام كقولِه: {أفترى عَلَى الله كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8]. ويمكنُ أن يُعْتَذَرَ عنه: أنه حَذَفَ الهمزةَ للعلمِ بها كقولِه تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: 22]. وقول الآخر:
أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الكرامَ وأَنْ ** أُوْرَثَ ذَوْدًا شَصائِصا نَبْلا

يريدُ: أو تلك، وأَأَفْرَحُ، فُحُذِفَ لدلالةِ الحالِ، وحَقُّه أَنْ يقفَ على {الأوَّلين}. قال الزمخشري: كيف قيل: اكْتَتَبها فهي تُمْلَى عليه، وإنما يُقال: أَمْلَيْتُ عليه فهو يكتتبها؟ قلت: فيه وجهان، أحدُهما: أراد اكتتابَها وطَلَبه فهي تُمْلَى عليه أو كُتِبَتْ له وهو أُمِّيٌّ فهي تُمْلَى عليه أي: تُلْقَى عليه مِنْ كتابٍ يَتَحفَّظُها؛ لأنَّ صورةَ الإِلقاءِ على الحافظِ كصورة الإِلقاءِ على الكاتبِ.
وقرأ عيسى وطلحة {تُتْلَى} بتاءَيْن مِنْ فوقُ، من التلاوة. و{بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ظرفا زمان للإِملاء. والياءُ في {تملَى} بدلٌ من اللامِ كقولِه: {فَلْيُمْلِلْ} [البقرة: 282] وقد تقدَّمَ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)}.
ظنوه كما كانوا، ولمَّا كانوا بأمثالِهم قد استعانوا فيما عجزوا عنه من أمورِهم، واستحدثوا لأمثالهم واستكانوا- فقد قالوا من غير حُجَّةٍ وتَقَوَلُّوا، ولم يكن لقولهم تحصيل، ولأَساطيرُ الأولين تُرَّهاتُهم التي لا يُدْرَى هل كانت؟ وإن كانت فلا يُعْرَفُ كيف كانت ومتى كانت؟
ثم قال: يا محمد، إن هذا الكتاب- الذي أنزله الذي يعلم السِّرَّ في السموات والأرض- لا يَقْدِر أحد على الإتيان بمثله ولو تشاغلوا من الوقت الذي أتى به أعداء الدينِ، وهم على كثرتهم مجتهدون في معارضته بما يوجب مساواته؛ فادَّعوا تكذيبه وانقطعت الأعصار وانقضت الأعمال، ولم يأتِ أحدٌ بسورة مثله. فانتفى الرَّيْبُ عن صِدْقهِ، ووَجَبَ الإقرارُ بحقِّه. اهـ.